شائعات موت الفنانين- نهش إلكتروني أم انعكاس لانقلاب القيم؟
المؤلف: عبده خال09.07.2025

إن وسائل التواصل الاجتماعي أصبحت مرتعًا خصيبًا لنشر الشائعات المغرضة، حيث ينشط بعض الأفراد في مهمة دنيئة: دفن كبار الفنانين في عالمنا العربي وهم على قيد الحياة، ناشرين أخبارًا كاذبة عن وفاة قامات فنية مثل دريد لحام، أو منى واصف، أو عادل إمام، دون أدنى مراعاة أو احترام لمشاعر عائلاتهم ومحبيهم. فبمجرد أن يكتب شخص خبر وفاة فنان، تنتشر الإشاعة كالنار في الهشيم عبر مختلف الشبكات، وكأن موت هؤلاء الأعلام مأدبة دسمة تتهافت عليها الذئاب والطيور الجارحة. أي نوع من الانتهاك الأخلاقي تمارسه هذه المنصات الرقمية؟!.
ويبدو أن الجيل الحالي يتبنى دورًا تخريبيًا للقيم، على غرار ما تجسد في مسرحية "مدرسة المشاغبين"، التي اعتُبرت علامة فارقة في تدهور القيم لدى الشباب بعد عرضها وانتشارها. فكما اتُهمت المسرحية بإحداث انفلات أخلاقي، يشهد اليوم انفلاتًا مماثلًا وأكثر شناعة من قبل الشباب، حيث تحول كل فرد منهم إلى مؤسسة إعلامية مستقلة، يمنح نفسه الحق في نشر أمور مستنكرة، سواء كانت ألفاظًا نابية، أو تحريضًا على العنف، أو تصديرًا للإساءات والشائعات. ويحرص ناشرو هذه الشائعات على إتقان حبكتهم بصور مفبركة ومزيفة، وفي حالة شائعات الموت، يتم تداول صور لجنازات وهمية. وفي غضون ساعات قليلة، يكون ناشر الشائعة قد شيع الفنان إلى مثواه الأخير، غير مكترث بالضرر الذي أحدثته إشاعته الخبيثة للآخرين. يبدو أن محترفي الأخبار المفجعة من "القبرجيين" قد كثفوا نشاطهم في ردم من أطال الله في عمره، ولأن معظم أبطال "مدرسة المشاغبين" قد رحلوا باستثناء عادل إمام (أطال الله في عمره، فقد أسعدنا طويلًا)، فقد أصبح هدفًا سهلًا لهؤلاء "القبرجيين".
وبنظرة إلى الماضي، نستذكر مسرحية "مدرسة المشاغبين" التي أحدثت تحولًا جذريًا في أساليب التربية، وساهمت في نقل الممارسات التربوية إلى حالة من الفوضى والانفلات. ورغم أن المسرحية عُرضت في السبعينيات الميلادية (أول عرض عام 1973)، إلا أن تأثيرها ظل ممتدًا كزلزال مدمر، مخلفًا آثارًا سلبية على العلاقة بين الآباء وأبنائهم، وبين الطلاب ومعلميهم.
خلال فترة عرض المسرحية التي استمرت لسنوات، رُفعت العديد من الدعاوى القضائية لإيقافها، إلا أن الإقبال الجماهيري الهائل عليها جعلها تحظى بشعبية جارفة. واعتبر البعض أن هذه المسرحية قضت على هيبة المعلم، حتى أن بعض علماء النفس في جامعة القاهرة أجروا دراسة حول الآثار السلبية للمسرحية، خلصت إلى أن حوالي 70% من المشاغبين في المرحلة الثانوية كانوا يقلدون شخصيات المسرحية في محاولة لكسب إعجاب زملائهم. كما أن وزير التعليم آنذاك وصف المسرحية بأنها أحد أسباب تدهور التعليم في مصر، لأنها أفقدت المعلم مكانته واحترامه.
وفي أجواء الإيمان بنظرية المؤامرة، اتُهم مؤلف المسرحية (علي سالم) بأنه خنجر مسموم في خاصرة الوعي العربي، يسعى إلى تدمير التربية (المصرية تحديدًا)، وتحريض الشباب العربي على كسر سلطة التعليم. واعتبر البعض أن المسرحية تهدف إلى القضاء على الهوية الحقيقية لشباب المستقبل، ولأن الأستاذ علي سالم (رحمه الله) كان من المتهمين بالتقارب الثقافي مع إسرائيل، ترسخت التهمة في أذهان المثقفين بشكل خاص، مفادها أن المؤلف تعمد من خلال المسرحية إلى تقويض القيم الأخلاقية لدى الشباب.
وبعيدًا عن الجدل الذي أثير حول المسرحية، أستحضر من ذاكرتي لقاء جمعني بالممثل القدير يونس شلبي (أحد أبرز نجوم المسرحية رحمه الله)، ففي سنواته الأخيرة، كان يتردد على مدينة جدة للعلاج. وفي أحد الأيام، التقينا في مركز ترفيهي يعج بأصوات المطربين الذين أحيوا تلك الليلة.
كنت أركز على ملامح يونس شلبي وهو يراقب تصرفات الشباب داخل صالة المركز، والتي كانت تتجاوز حدود اللياقة والأدب. كانت تعابير وجهه شاردة، لا تعكس أي ردة فعل (لا استحسانًا، ولا رفضًا، ولا ارتياحًا)، تعابير جامدة خالية من أي انفعال، وكأنها تنبئ بقرب النهاية.
تمنيت أن أطرح عليه سؤالًا موجزًا حول سلوك الشباب غير اللائق، وبينما كنت أحاول صياغة سؤال مناسب، توقفت في حلقي هذه الجملة:
- هل أنت راضٍ عما أحدثته مدرسة المشاغبين من انفلات أخلاقي لدى الشباب؟
لكنني تراجعت عن سؤاله، لسببين: أولهما الضجيج الذي ملأ المكان، وثانيهما غياب التركيز لدى يونس شلبي بسبب المرض الذي أنهكه.
تريثت على أمل محاورته بعد مغادرة الحفل، وعندما وصلنا إلى منزل الصديق علي فقندش (حيث كان يقيم يونس)، ظللت أبحث عن اللحظة المناسبة لطرح السؤال، وعندما فعلت ذلك، كان يونس شلبي –كما كان في المسرحية– "غير قادر على التركيز"، وإن كان في المسرحية يمثل هذا الدور، إلا أنه أمامي "غير قادر على التركيز" بسبب وطأة المرض الشديد الذي ألم به.
قد لا تكون هناك علاقة مباشرة بين هذه القصة والمقدمة، إلا أن شائعة وفاة عادل إمام التي تنتشر بين الحين والآخر تؤكد أن الزمن قد تغير، وأن الجيل الشاب الحالي يسعى إلى التعجيل بدفن من سبقوهم، فلماذا هذا الإصرار؟
يمكن تقديم العديد من التفسيرات لذلك، لكن مساحة المقال لا تسمح بتفصيل ذلك.
ويبدو أن الجيل الحالي يتبنى دورًا تخريبيًا للقيم، على غرار ما تجسد في مسرحية "مدرسة المشاغبين"، التي اعتُبرت علامة فارقة في تدهور القيم لدى الشباب بعد عرضها وانتشارها. فكما اتُهمت المسرحية بإحداث انفلات أخلاقي، يشهد اليوم انفلاتًا مماثلًا وأكثر شناعة من قبل الشباب، حيث تحول كل فرد منهم إلى مؤسسة إعلامية مستقلة، يمنح نفسه الحق في نشر أمور مستنكرة، سواء كانت ألفاظًا نابية، أو تحريضًا على العنف، أو تصديرًا للإساءات والشائعات. ويحرص ناشرو هذه الشائعات على إتقان حبكتهم بصور مفبركة ومزيفة، وفي حالة شائعات الموت، يتم تداول صور لجنازات وهمية. وفي غضون ساعات قليلة، يكون ناشر الشائعة قد شيع الفنان إلى مثواه الأخير، غير مكترث بالضرر الذي أحدثته إشاعته الخبيثة للآخرين. يبدو أن محترفي الأخبار المفجعة من "القبرجيين" قد كثفوا نشاطهم في ردم من أطال الله في عمره، ولأن معظم أبطال "مدرسة المشاغبين" قد رحلوا باستثناء عادل إمام (أطال الله في عمره، فقد أسعدنا طويلًا)، فقد أصبح هدفًا سهلًا لهؤلاء "القبرجيين".
وبنظرة إلى الماضي، نستذكر مسرحية "مدرسة المشاغبين" التي أحدثت تحولًا جذريًا في أساليب التربية، وساهمت في نقل الممارسات التربوية إلى حالة من الفوضى والانفلات. ورغم أن المسرحية عُرضت في السبعينيات الميلادية (أول عرض عام 1973)، إلا أن تأثيرها ظل ممتدًا كزلزال مدمر، مخلفًا آثارًا سلبية على العلاقة بين الآباء وأبنائهم، وبين الطلاب ومعلميهم.
خلال فترة عرض المسرحية التي استمرت لسنوات، رُفعت العديد من الدعاوى القضائية لإيقافها، إلا أن الإقبال الجماهيري الهائل عليها جعلها تحظى بشعبية جارفة. واعتبر البعض أن هذه المسرحية قضت على هيبة المعلم، حتى أن بعض علماء النفس في جامعة القاهرة أجروا دراسة حول الآثار السلبية للمسرحية، خلصت إلى أن حوالي 70% من المشاغبين في المرحلة الثانوية كانوا يقلدون شخصيات المسرحية في محاولة لكسب إعجاب زملائهم. كما أن وزير التعليم آنذاك وصف المسرحية بأنها أحد أسباب تدهور التعليم في مصر، لأنها أفقدت المعلم مكانته واحترامه.
وفي أجواء الإيمان بنظرية المؤامرة، اتُهم مؤلف المسرحية (علي سالم) بأنه خنجر مسموم في خاصرة الوعي العربي، يسعى إلى تدمير التربية (المصرية تحديدًا)، وتحريض الشباب العربي على كسر سلطة التعليم. واعتبر البعض أن المسرحية تهدف إلى القضاء على الهوية الحقيقية لشباب المستقبل، ولأن الأستاذ علي سالم (رحمه الله) كان من المتهمين بالتقارب الثقافي مع إسرائيل، ترسخت التهمة في أذهان المثقفين بشكل خاص، مفادها أن المؤلف تعمد من خلال المسرحية إلى تقويض القيم الأخلاقية لدى الشباب.
وبعيدًا عن الجدل الذي أثير حول المسرحية، أستحضر من ذاكرتي لقاء جمعني بالممثل القدير يونس شلبي (أحد أبرز نجوم المسرحية رحمه الله)، ففي سنواته الأخيرة، كان يتردد على مدينة جدة للعلاج. وفي أحد الأيام، التقينا في مركز ترفيهي يعج بأصوات المطربين الذين أحيوا تلك الليلة.
كنت أركز على ملامح يونس شلبي وهو يراقب تصرفات الشباب داخل صالة المركز، والتي كانت تتجاوز حدود اللياقة والأدب. كانت تعابير وجهه شاردة، لا تعكس أي ردة فعل (لا استحسانًا، ولا رفضًا، ولا ارتياحًا)، تعابير جامدة خالية من أي انفعال، وكأنها تنبئ بقرب النهاية.
تمنيت أن أطرح عليه سؤالًا موجزًا حول سلوك الشباب غير اللائق، وبينما كنت أحاول صياغة سؤال مناسب، توقفت في حلقي هذه الجملة:
- هل أنت راضٍ عما أحدثته مدرسة المشاغبين من انفلات أخلاقي لدى الشباب؟
لكنني تراجعت عن سؤاله، لسببين: أولهما الضجيج الذي ملأ المكان، وثانيهما غياب التركيز لدى يونس شلبي بسبب المرض الذي أنهكه.
تريثت على أمل محاورته بعد مغادرة الحفل، وعندما وصلنا إلى منزل الصديق علي فقندش (حيث كان يقيم يونس)، ظللت أبحث عن اللحظة المناسبة لطرح السؤال، وعندما فعلت ذلك، كان يونس شلبي –كما كان في المسرحية– "غير قادر على التركيز"، وإن كان في المسرحية يمثل هذا الدور، إلا أنه أمامي "غير قادر على التركيز" بسبب وطأة المرض الشديد الذي ألم به.
قد لا تكون هناك علاقة مباشرة بين هذه القصة والمقدمة، إلا أن شائعة وفاة عادل إمام التي تنتشر بين الحين والآخر تؤكد أن الزمن قد تغير، وأن الجيل الشاب الحالي يسعى إلى التعجيل بدفن من سبقوهم، فلماذا هذا الإصرار؟
يمكن تقديم العديد من التفسيرات لذلك، لكن مساحة المقال لا تسمح بتفصيل ذلك.